هادي والاصلاح يجرون الحراك الجنوبي إلى مربعهم عبر بوابة رفض “خارطة ولد الشيخ” في طريق استخدامه ورقة للتجاذب المحلي والاقليمي
يمنات – خاص
أنس القباطي
بدأ الشارع الجنوبي متخبطا عشية الدعوة التي وجهت للاحتشاد صباح الخميس 3 نوفمبر/تشرين ثان 2016، في مدينة عدن، لتأييد ما تعرف بـ”الشرعية” و رفض خارطة ولد الشيخ للحل في اليمن، و التأكيد على مرجعيات المفاوضات.
الدعوة وجهت من قبل محافظي المحافظات الجنوبية التي تسيطر عليها قوات حكومة هادي و قوات من دول التحالف السعودي.
بعض قيادات و ناشطي الحراك الجنوبي ابدوا رفضهم الصريح للمشاركة في التظاهرة، غير أن قيادات حراكية بعضها تعمل ضمن حكومة هادي و السلطات المحلية في المحافظات الجنوبية، أيدت الاحتشاد.
رفض مبني على معطيات
و فيما يبرر الرافضون رفضهم، بأن تأييد “الشرعية” يعد اعتراف بالوحدة القائمة بين الشمال و الجنوب، في حين تطالب فصائل الحراك بالعودة إلى ما قبل وحدة 22 مايو/آيار 1990.
كما يرون أن المرجعيات الثلاث للتفاوض تعمدت تجاهل القضية الجنوبية و مطالب شعب الجنوب بالانفصال. منوهين إلى أن هذه المرجعيات تستهدف القضية الجنوبية، و المشاركة في الاحتشاد يعد اعتراف بها و التأكيد على أن حل القضية الجنوبية يتم وفقها.
و يعتبرون أن ما ورد في خارطة ولد الشيخ فيه تجاهل للقضية الجنوبية و حق الشعب في الجنوب في تقرير مصيره، و أن ما ورد في الخارطة بخصوص القضية الجنوبية ليس الا ابتزاز و ذر الرماد على العيون، هدفه استعطاف الجنوبيين للخروج في مظاهرة تستهدف قضيته و تضرب تضحيات ابنائه.
و لفتوا إلى أن موقف “هادي” و المشروع الذي يحمله (الاقلمة) لا يتوافق مع مطالب الجنوبيين.
و طالبت قيادات حراكية بالخروج و الاحتشاد لمطالبة “هادي” بتغيير موقفه من القضية الجنوبية.
و تسأل البعض: ماذا نقول لشهداء القضية الجنوبية..؟ ولماذا يريد البعض دفن تضحيات ابنائهم و اخوانهم..؟
و نوه البعض إلى أن مخرجات الحوار، الت يتعد احدى المرجعيات، لم يكن للجنوبيين ناقة فيها و لا جمل و سبق أن قاطعوه و رفضوا المشاركة فيه، فكيف يمكنهم اليوم الخروج للمطالبة بعدم تجاوزه، و هو الذي تجاهل قضية الجنوب و ذهب نحو الأقلمة و تقسيم الجنوب إلى اقليمي فقر و ثروة، في اشارة لاقليمي (عدن) و (حضرموت).
تأييد مبنى على التكتيك
من جانبهم يرى مؤيدو الاحتشاد إلى أن رفض خارطة ولد الشيخ يندرج في اطار التكتيك الجنوبي، و الذي يبدأ برفض خارطة ولد الشيخ. معتبرين أن المطالبة بالمرجعيات يستهدف من اسموهم “مليشيا الحوثي و صالح” التي قاتلوها تحت راية الشرعية، ما مكنهم من الحصول على ثقة التحاف السعودي، الذي يأملون في بعض دوله تبني مطلب الجنوبيين بالانفصال.
جدل واستقطاب
الدعوة للاحتشاد تأييدا لـ”هادي” في وجه “خارطة” ولد الشيخ، أدت إلى جدل واسع و هجوم و هجوم مضاد بين نشطاء الحراك في مواقع التواصل الاجتماعي.
و هو ما يكشف عن هشاشة الايمان بالمطالب التي يرفعها الحراك الجنوبي منذ 2007، و المنادية بالانفصال.
كما يكشف عن حجم الاستقطابات التي تمكنت السعودية و الامارات من تحقيقها في أوساط الحراك الجنوبي و قياداته، و التي حرفت مساره و حولته إلى مجرد اداة لتنفيذ اجندتها في الجنوب، و تطويع فصائله و كثير من قياداته في خدمة مصالحها و مشاريعها في اليمن.
ورقة ضغط
و يرى مراقبون أن توجيه الدعوة بالاحتشاد من قبل المحافظين، و معظمهم قيادات حراكية كانت تطالب بالانفصال، يؤشر إلى نجاح هادي و من خلفه “الامارات” و “السعودية” في استخدام ورقة الحراك المطالب بالانفصال كورقة ضغط تلوح بها متى ارادت في وجه أطراف صنعاء.
و لفتوا إلى أن تعيين قيادات حراكية انفصالية في مفاصل السلطات المحلية في الجنوب، آتت أكلها اليوم، ما يكشف عن عملية استدراج لهذه القيادات التي باتت تبحث عن السلطة و مغانمها على حساب القضية الجنوبية.
شرخ جنوبي
و اعتبروا أن هذه الدعوة تمثل بداية لشرخ واسع في الشارع الجنوبي الذي كان يخرج مطالبا بالانفصال، ما سيسهل تجاوز دعوات الانفصال و اظهار الجنوبيين أمام العالم منقسمين على انفسهم، و هو ما سيسهل دفن المطالب الانفصالية و تجاوزها بمرور الزمن.
اجندات مستقبلية
و أشاروا إلى أن نجاح الاحتشاد سيمثل بداية لتوظيف الشارع الجنوبي من قبل الرياض و أبو ظبي كورقة ضغط قوية في وجه أطراف صنعاء، و استخدامه مستقبلا في الابقاء على القوات الاماراتية و السعودية في الجنوب، في حال تم تمرير مشروع القرار البريطاني بشأن اليمن، و الذي لم يرد فيه ما يشير لسحب القوات الاجنبية من الجنوب، أو الابقاء عليها أكبر وقت ممكن في حال تم تضمين ذلك في مشروع القرار البريطاني، الذي تعترض روسيا بشدة على عدم تضمينه فقرة تشير بصراحة لخروج قوات التحالف السعودي من الأراضي اليمنية.
فخ الرفض
و فيما تجري الترتيبات للاحتشاد صباح الخميس في عدن، تقول معلومات إن حكومة هادي تسلمت نسخة من خارطة ولد الشيخ، التي رفضت تسلمها سابقا.
و في حال صحت هذه المعلومات، فإن رفض حكومة هادي للخارطة لم يكن إلا “فخ” لاستدراج أطراف صنعاء للتعاطي معها، كونها لا تحقق لهم سوى مكسب واحد (رحيل هادي) مقابل مكاسب عدة للتحالف السعودية و السعودية على وجه الخصوص.
و فيما لا يزال الموقف السعودي من الخارطة ضبابيا، اعلنت الامارات تأييدها للخارطة، و رأت فيها الحل الأمثل للأزمة اليمنية.
التقاط اخواني
تجمع الإصلاح (اخوان اليمن) اصدر بيانا هو الآخر مؤيدا للاحتشاد الجنوبي الرافض للخارطة، ما اعتبره البعض نكاية بالقيادات الحراكية التي تناهض الاصلاح و تخاصمه، و محاولة اخوانية للاستفادة من الرفض في دعم الاستحقاقات السياسية التي يطالب بها (الاصلاح) و الذي يرى أنه همش في الجنوب و باتت الحصة المخصصة له لا تتوافق مع تطلعاته و سعيه للبقاء في مركز القرار في التسوية القادمة، ما اجبره على اشعال جبهات القتال في تعز و مأرب، في محاولة لإعاقة التسوية التي يراها تنتقص من استحقاقاته التي يسعى للحصول عليها.
مرحلة ما قبل الانقضاض
محللون يرون أن “هادي” و “الاصلاح” جروا الحراك الجنوبي إلى مربعهم، تمهيدا لمرحلة الانقضاض عليه و تمزيقه، عبر احداث حالة انقسام في الشارع الجنوبي، ما يتيح لهما تحقيق مكاسب شعبية على حسابه في محافظات الجنوب، و تقديم نفسيهما بديلا له.
الانقسام الذي بدأ على خلفية الدعوة للاحتشاد، ليس إلا تحصيل حاصل لعدم قدرة فصائل الحراك في تشكيل قيادة موحدة منذ العام 2007، و حالة الضبابية التي تعاني منها القيادات الحراكية في تحديد الهدف الذي تسعى نحوه.
شارع بدون قيادة
مطالب الفصائل الحراكية خلال السنوات الماضية تعددت و تشعبت، فمنها من يطالب باستعادة دولة ما قبل وحدة 22 مايو 1990، و بعضها تطالب بفك الارتباط بالشمال و العودة لما كان يعرف باليمن الجنوبي، في حين أن بعضها تدعو للانفصال و قيام دولة الجنوب العربي، بعيدا عن ما يسموها “اليمننة” أي عدم يمنية الجنوب.
كل تلك التضاربات و التصدمات في الهدف النهائي لفصائل الحراك، جعلت منها مجرد أداة استخدمها “هادي” و السعودية و الامارات في تحويل القاعدة الشعبية للحراك إلى مجرد “مقاتلين” لدحر خصمهم (أطراف صنعاء) بمبرر اجتياحه للجنوب، و من ثم الانتقال إلى المرحلة التالية استخدام الحراك في وجه (خصمهم) في الحصول على مكاسب سياسية و تنفيذ اجندات من أجلها تحملت السعودية و الامارات تكاليف حرب اثقلت ميزانياتها بمليارات الدولارات.
تضارب أهداف الفصائل الحراكية جعل من الشارع الجنوبي يظهر بدون قيادة، ما أثر سلبا على القضية الجنوبية كقضية سياسية و حقوقية، و حولها إلى ورقة في ميزان التجاذبات المحلية (هادي و الاصلاح) و الاقليمية (الامارات و السعودية).